الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.انتقاض منطاش بملطية ولحاقه بسيواس ومسير العساكر في طلبه. كان منطاش هذا وتمرتاي الدمرداشي الذي مر ذكره أخوين لتمراز الناصري من موالي الملك الناصر محمد بن قلاون وريبا في كفالة أمهما وكان اسم تمرتاي محمدا وهو الأكبر واسم منطاش أحمد وهو الأصغر واتصل تمرتاي بالسلطان الأشرف وترقى في دولته في الوظائف إلى أن ولي بحلب سنة ثمانين وكانت واقعته مع التركمان وذلك أنه وفد عليه أمراؤهم فقبض عليهم لما كان من عيثهم في النواحي واجتمعوا فسار إليهم وأمده السلطان بعساكر الشام وحماة وانهزموا أمامهم إلى الدربند ثم كروا عل العساكر فهزموها ونهبوها في المضايق وتوفي تمرتاي سنة اثنتين وثمانين وكان السلطان الظاهر برقوق برعى لهما هذا الولاء فولى منطاش على ملطية ولما قعد على الكرسي واستبد بالسلطان بدت من منطاش علامات الخلاف فهم به ثم راجع ووفد وتنصل للسلطان وكان سودون باق من أمراء الألوف خالصة للسلطان ومن أهل عصبيته وكان من قبل ذلك في جملة الأمير تمرتاي فرعا لمنطاش حق أخيه وشفع له عند السلطان وكفل حسن الطاعة منه وأنه يخرج على التركمان المخالفين ويحسم علل فسادهم وانطلق إلى قاعدة عمله بملطية ثم لم تزل آثار العصيان بادية عليه وربما داخل أمراء التركمان في ذلك ونمي الخبر إلى السلطان فطوى له وشعر هو بذلك فراسل صاحب سيواس قاعدة بلاد الروم وبها قاض مستبد على صبي من أعقاب بني أرشي ملوكها من عهد هلاكو قد اعصوصب عليه بقية من احياء التتر الذين كانوا حامية هنالك مع الشحنة فيها كما نذكره ولما وصلت رسل منطاش وكتبه إلى هذا القاضي بادر باجابته وبعث رسلا وفدا من أصحابه في اتمام الحديث معه فخرج منطاش إلى لقائهم واستخلف على ملطية دواداره وكان مغفلا فخشي مغبة ما يرومه صاحبه من الانتقاض فلاذ بالطاعة وتبرأ من منطاش وأقام دعوة السلطان في البلد وبلغ الخبر إلى منطاش فاضطرب ثم استمر وسار مع وفد القاضي إلى سيواس فلما قدم عليه وقد انقطع الحبل في يده أعرض عنه وصار إلى مغالطة السلطان عما أتاه من مداخلة منطاش وقبض عليه وحبسه وسرح السلطان سنة تسع وثلاثين عساكره مع يونس الدوادار وقردم رأس نوبة والطنبقا الرماح أمير سلاح وسودون باق من أمراء الألوف وأوعز إلى الناصري فأتى وطلب أن يخرج معهم بعساكره إلى انيال اليوسفي من أمراء الألوف بدمشق وساروا جميعا وكان يومئذ ملك التتر بما وراء النهر وخراسان تمر من نسب جفطاي قد زحف إلى العراقين وأذربيجان وملك توزير عنوة واستباحها وهو يحاول ملك بغداد فسارت هذه العساكر توري بغزوه ودفاعه حتى إذا بلغوا حلب أتى إليهم الخبر بأن تمر رجع بعساكره لخارج خرج عليه بقاصية ما وراء النهر فرجعت عساكر السلطان إلى جهة سيواس واقتحموا تخومها عل حين غفلة من أهلها فبادر القاضي إلى اطلاق منطاش لوقته وقد كان أيام حبسه يوسوس إليه بالرجوع عن موالاة السلطان وممالأته ولم يزل يفتل له في الذروة والغارب حتى جنح إلى قوله فبعث لأحياء التتر الذين كانوا ببلاد الروم فيئة ابن اريثا ابن أول فسار إليهم واستجاشهم على عسكر السلطان وحذرهم استئصال شأفتهم باستئصال ملك ابن اريثا وبلده ووصلت العساكر خلال ذلك إلى سيواس فحاصروها أياما وضيقوا عليها وكادت أن تلقي باليد ووصل منطاش أثر ذلك بإحياء التتر فقاتلهم العساكر ودافعوهم ونالوا منهم رجلا الناصري في هذه الوقائع وأدرك العساكر الملل والضجر من طول المقام وبطء الظفر وانقطاع الميرة بتوغلهم في البلاد وبعد الشقة فتداعوا للرجوع ودعوا الأمراء إليه فجنح لذلك بعضهم فانكفؤا على تعبيتهم وسار بعض التتر في اتباعهم فكروا عليهم واستلحموهم وخلصوا إلى بلاد الشام على أحسن حالات الظهور ونية العود ليحسموا علل العدو ويمحوا أثر الفتنة والله تعالى أعلم..نكبة الجوباني واعتقاله بالإسكندرية. كان الأمراء الذين حاصروا سيواس قد لحقهم الضجر والسآمة من طول المقام وفزع قردم الطنبقا المعلم منهم إلى الناصري مقدم العساكر بالشكوى من السلطان فيما دعاهم إليه من هذا المرتكب وتفاوضوا في ذلك مليا وتداعوا إلى الإفرنج عن البلد بعد أن بعثوا إلى القاضي بها واتخذوا عنده يدا بذلك وأوصوه بمنطاش والإبقاء عليه ليكون لهم وقوفا للفتنة وعلم يونس الدوادار أنهم في الطاعة فلم يسعه خلافهم ففوض لهم ولما انتهى إلى حلب غدا عليه دمرداش من أمرائها فنصح له بأن الجوباني نائب مداخل للناصر في تمريضه في الطاعة وأنهما مصران على الخلاف وقفل يونس إلى مصر فقص على السلطان نصيحته واستدعى دمرداش فشاقه السلطان بذلك واطلع منه على جلي الخبر في شأنهما وكان للجوباني مماليك أوغاد قد أبطرتهم النعمة واستهواهم الجاه وشرهوا إلى التوثب وهو يزجرهم فصاروا إلى اغرائه بالحاجب يومئذ طرنطاي فقعد في بيته عن المجلس السلطاني وطير بالخبر إلى مصر فاستراب الجوباني وسابقه بالحضور عند السلطان لينضح عنخ ما علق به من الأوهام وأذن له في ذلك فنهض من دمشق على البريد في ربيع سنة تسعين ولما انتهى إلى سرياقوس أزعج استاذ داره بهادر المنجكي فقبض عليه وطير به السفن إلى الاسكندرية وأصبح السلطان من الغد فقبض على قردم والطنبقا المعلم وألحقهما به فحبسوا هنالك جميعا وانحسم ما كان يتوقع من انتقاضهم وولى السلطان مكان الجوباني بدمشق طرنطاي الحاجب ومكان قردم بمصر ابن عمه مجماس ومكان المعلم دمرداش واستمر الحال على ذلك.
|